فصل: شهر جمادى الثانية سنة 1231:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ الجبرتي المسمى بـ «عجائب الآثار في التراجم والأخبار» (نسخة منقحة)



.شهر ربيع الثاني سنة 1231:

وخروج العساكر إلى ناحية بحري مستمر وأفصح الباشا وذكر في كلامه في مجالسه وبين السر في إخراجهم من المدينة بأن العساكر قد كثروا وفي إقامتهم بالبلدة مع كثرتهم وإفساد وضيق على الرعية مع عدم الحاجة إليهم داخل البلدة الأولى والأحوط أن يكونوا خارجها وحولها مرابطين لحفظ الثغور من طارق على حين غفلة أو حادث خارجي وليس لهم إلا رواتبهم وعلائفهم تأتيهم في أماكنهم ومراكزهم والسر الخفي إخراج الذين قصدوا غدره وخيانته ووقع بسبب حركتهم ما وقع من لنهب والإزعاج على أواخر شعبان من السنة الماضية وكان قد بدأ بإخراج أولاده وخواصه من تحيله واحداً بعد واحد وأسر إلى أولاده بما في ضميره وأصحب مع ولده طوسون باشا شخصاً من خواصه يسمى أحمد آغا البخورجي المدللي وأخذ طوسون باشا في تدبير الإيقاع مع من يريد به فبدأ بمحو بك وهو أعظمهم وأكثرهم جنداً فأخذ في تأليف عساكره حتى لم يبق معه إلا القليل، ثم أرسل في وقت بطلب محو بك عنده في مشورة فذهب إليه أحمد آغا المدللي المذكور وأسر إليه ما يراد به وأشار إليه بعدم الذهاب فركب محو بك في الحال وذهب عند الدلاة فأرسلوا إلى مصطفى بك وهو كبير على طائفة من الدلاة وأخو زوجة الباشا وقريبه وإلى إسماعيل باشا ابن الباشا ليتوسطا في صلح محو بك مع الباشا وليعفوه ويذهب إلى بلاده فأرسلا إلى الباشا بالخبر وبما نقله أحمد آغا المدللي إلى محو بك فسفه رأيه في تصديق المقالة وفي هروبه عند الدلاة، ثم يقول لولا أن في نفسه خيانة لما فعل ما فعل من التصديق والهروب وكان طوسون باشا لما جرى من أحمد آغا ما جرى من نقل الخبر لمحو بك عوقه وأرسل إلى أبيه يعلمه بذلك فطلبه للحضور إليه بمصر، فلما مثل بين يديه وبخه وعزره بالكلام وقال له ترمي الفتن بين أولادي وكبار العسكر، ثم أمر بقتله فنزلوا به إلى باب وزيلة وقطعوا رأسه هناك وتركوه مرمياً طول النهار، ثم رفعوه إلى داره وعملوا له في صبحها مشهداً ودفنوه.
وفيه حضر إسماعيل باشا ومصطفى بك إلى مصر.
وفي أواخره حضر شخص يسمى سليم كاشف من الأجناد المصرية مرسلاً من عند بقاياهم من الأمراء وأتباعهم الذين رماهم الزمان بكلكله وأقصاهم وأبعدهم عن أوطانهم واستوطنهم دنقلة من بلاد السودان يتقوتون مما يزرعونه بأيديهم من الدخن وبينهم وبين أقصى الصعيد مسافة طويلة نحو من أربعين يوماً وقد طال عليهم الأمد ومات أكثرهم ومعظم رؤساهم مثل عثمان بك حسن وسليم آغا وأحمد آغا شويكار وغيرهم ممن لا علم لنا بخبرة أخبارهم لبعد المسافة حتى على أهل منازلهم وبقي ممن لم يمت منهم إبراهيم بك الكبير وعبد الرحمن بك تابع عثمان بك المرادي وعثمان بك يوسف وأحمد بك الألافي زوج عديلة ابنة إبراهيم بك الكبير وعلي بك أيوب وبواقي الصغار الأمراء والمماليك على ظن خيانتهم وقد كبر سن إبراهيم بك الكبير وعجزت قواه ووهن جسمه، فلما طالت عليهم الغربة أرسلوا هذا المرسل بمكاتبة إلى الباشا يستعطفونه ويسألون فضله ويرجون مراحمه بأن ينعم عليهم بالأمان على نفوسهم ويأذن لهم بالانتقال من دنقلة إلى جهة من أراضي مصر يقيمون بها أيضاً ويتعيشون فيها بأقل العيش تحت أمانه ويدفعون ما يجب عليهم من الخراج الذي يقرر عليهم ولا يتعدون مراسمه وأوامره، فلما حضر وقابل الباشا وتكلم معه وسأله عن حالهم وشأنهم ومن مات ومن لم يمت منهم وهو يخبره خبرهم، ثم أمره بالانصراف إلى محله الذي نزل فيه إلى أن يرد عليه الجواب وأنعم عليه بخمسة أكياس فأقام أياماً حتى كتب له جواب رسالته مضمونه أنه أعطاهم الأمان على أنفسهم بشروط شرطها عليهم إن خالفوا منها شرطاً واحداً كان أمانهم منقوضاً وعهدهم منكرثاً ويحل بهم ما حل بمن تقدم منهم فأول الشروط أنهم إذا عزموا على الانتقال من المحل الذي هم فيه يرسلون أمامهم نجاباً يخبره بخبرهم وحركتهم وانتقالهم ليأتيهم من أعينه لملاقاتهم الثاني إذا حلوا بأرض الصعيد لا يأخذون من أهل النواحي كلفة ولا دجاجة ولا رغيفاً واحداً وإنما الذي يتعين لملاقاتهم يقوم لهم بما يحتاجون إليه من مؤونة وعليق ومصرف الثالث أني لا أقطعهم شيئاً من الأراضي والنواحي ولا إقامة في جهة من جهات أراضي مصر بل يأتون عندي وينزلون على حكمي ولهم ما يليق بكل واحد منهم من المسكن والتعيين والمصرف ومن كان ذا قوة قلدته منصباً أو خدمة تليق به أو ضمته إلى بعض الأكابر من رؤساء العسكر، وإن كان ضعيفاً أو هرماً أجريت عليه نفقة لنفسه وعياله الربع أنهم إذا حصلوا بمصر على هذه الشروط وطلبوا شيئاً من إقطاع أو رزقة أو قنطرة أو أقل مما كان في تصرفهم في الزمن الماضي أو نحو ذلك انتقض معي عهدهم وبطل أماني لهم بمخالفة شرط واحد من هذه الشروط وهي سبعة غاب عن ذهني باقيها فسبحان المعز المذل مقلب الأحوال ومغير الشؤون.
فمن المعبر أنه لما حضر المصريون ودخلوا إلى مصر بعد مقتل طاهر باشا وتأمروا وتحكموا فكانت عساكر الأتراك في خدمتهم ومن أرذل طوائفهم وعلائفهم تصرف عليهم من أيدي كتابهم وأتباعهم وإبراهيم بك هو الأمير الكبير وراتب محمد علي باشا هذا من الخبز اللحم والأرز والسمن الذي عينه له من كباره نعوذ بالله من سوء المنقلب ورجع سليم كاشف المرسل إليهم بالجواب المشتمل على ما فيه من الشروط.
وفيه أمر الباشا بحبس أحمد أفندي المعايرجي بدار الضرب وحبس أيضا عبد الله بكتاش ناظر الضربخانة واحتج عليهما باختلاسات يختلسانها واستمر أياماً حتى قرر عليهما نحو السبعمائة كيس وعلى الحاج سالم الجواهرجي وهو الذي يتعاطى إيراد الذهب والفضة إلى شغل الضربخانة مثلها، ثم أطلق المذكوران ليحصلا ما تقرر عليهما وكذلك أطلق الحاج سالم وشرعوا في التحصيل بالبيع والاستدانة واشتد القهر بالحاج سالم ومات على حين غفلة وقيل أنه ابتلع فص الماس وكان عليه ديون باقية من التي استدانها في المرة الأولى والغرامة السابقة.
ومن النوادر الغريبة والاتفاقات العجيبة أنه لما مات إبراهيم بك المداد بالضربخانة قبل تاريخه تزوج بزوجته أحمد أفندي المعايرجي المذكور، فلما عوق أحمد أفندي خافت زوجته المذكورة أن يدهمها أمر مثل الختم على الدار أو نحو ذلك فجمعت مصاغها وما تخاف عليه مما خف حمله وثقل ثمنه وربطته في صرة وأودعتها عند امرأة من معارفها فسطا على بيت تلك المرأة شخص حرامي وأخذ تلك الصرة وذهب بها إلى دار امرأة من أقاربه بالقرب من جامع مسكة وقال لها احفظي عندك هذه الصرة حتى أرجع ونزل إلى أسفل الدار فنادته المرأة اصبر حتى آتيك بشيء تأكله فقال نعم فإني جيعان وجلس أسفل الدار ينتظر إتيانها له بما يأكله وصادف مجيء زوج المرأة تلك الساعة فوجده فرحب به وهو يعلم بحاله ويكره مجيئه إلى داره وطلع إلى زوجته فوجد بين يديها تلك الصرة فسألها عنها فأخبرته أن قريبها المذكور أتى بها إليها حتى يعود لأخذها فجسها فوجدها ثقيلة فنزل في الحال ودخل على محمد أفندي سليم من أعيان جيران الخطة فأخبره فأحضر محمد أفندي أنفاراً من الجيران أيضاً وفيهم الخجا المنسوب إلى أحمد آغا لاظ المقتول ودخل الجميع إلى الدار، وذلك الحرامي جالس ومشتغل بالأكل فوكلوا به الخدم وأحضروا تلك الصرة وفتحوها فوجدوا بها مضآغا وكيساً بداخله أنصاف فضة عددية ذكروا أن عدتها أربعون ألفاً ولكنها من غير ختم وبدون نقش السكة فأخذوا ذلك وتوجهوا لكتخدا بك وصحبتهم الحرامي فسألوه وهددوه فأقر وأخبر عن المكان الذي اختلسها منه فأحضروا صاحبة المكان فقالت هو وديعة عندي لزوجة أحمد أفندي المعايرجي فثبت لديهم خيانته واختلاسه وسئل أحمد أفندي فحلف لأنه لا يعلم بشيء من ذلك وأن زوجته كانت زوجاً لإبراهيم المداد فلعل ذلك عندها من أيامه وسئلت هي أيضاً عن تحقيق ذلك فقالت الصحيح أن إبراهيم المداد كان اشترى هذه الدراهم من شخص مغربي عندما نهب عسكر المغاربة الضربخانة في وقت حادثة الأمراء المصرين وخروجهم من مصر عندما قامت عليهم عسكر الأتراك، فلم يزيلوا الشبهة عن أحمد أفندي بل زادت وكانت هذه النادرة من عجائب الاتفاق فقدروا أثمانها وخصموها من المطلوب منه.
وفي يوم الخميس عشرينه، حصلت جمعية ببيت البكري وحضر المشايخ وخلافهم وذلك بأمر باطني من صاحب الدولة وتذاكروا ما يفعله قاضي العسكر من الجور والطمع في أخذ أموال الناس والمحاصيل وذلك أن القضاة الذين يأتون من باب السلطنة كانت لهم عوائد وقوانين قديمة لا يتعدونها في أيام الأمراء المصريين، فلما استولت هؤلاء الأروام على الممالك والقاضي منهم فحش أمرهم وزاد طمعهم وابتدعوا بدعاً وابتكروا حيلاً لسلب أموال الناس والأيتام والأرامل، وكلما ورد قاض ورأى ما ابتكره الذي كان قبله أحدث هو الآخر أشياء يمتاز بها عن سلفه حتى فحش الأمر وتعدى ذلك لقضايا أكابر الدولة وكتخدا بك بل والباشا وصارت ذريعة وأمراً محتماً لا يحتشمون منه ولا يراعون خليلاً ولا كبيراً ولا جليلاً، وكان المعتاد القديم أنه إذا ورد القاضي في أول السنة التوتية التزم بالقسمة بعض المميزين من رجال المحكمة بقدر معلوم يقوم بدفعه للقاضي وكذلك تقرير الوظائف كانت بالفراغ أو المحلول وله شهريات على باقي المحاكم الخارجة كالصالحية وباب سعادة والخرق وباب الشعرية وباب زويلة وباب الفتوح وطيلون وقناطر السباع وبولاق ومصر القديمة ونحو ذلك ولع عوائد وإطلاقات وغلال من الميري وليس له غير ذلك إلا معلوم الإمضاء وهو خمسة أنصاف فضة فإذا احتاج الناس في قضاياهم ومواريثهم أحضروا شاهداً من المحكمة القريبة منهم فيقضي فيها ما يقضيه ويعطونه أجرته وهو يكتب التوثيق أو حجة المبايعة أو التوريث ويجمع العدة من الأوراق في كل جمعة أو شهر، ثم يضيها من القاضي ويدفع له معلوم الإمضاء لا غير، وأما القضايا لمثل العلماء والأمراء فبالمسامحة والإكرام، وكان القضاة يخشون صولة الفقهاء وقت كونهم يصدعون بالحق ولا يداهنون فيه، فلما تغيرت الأحوال وتحكمت الأتراك وقضاتها ابتدعوا بدعاً شتى.
منها إبطال نواب المحاكم وإبطال القضاة الثلاثة خلاف مذهب الحنفي وأن تكون جميع الدعاوي بين يديه وبعد الانفصال يأمرهم بالذهاب إلى كتخداه ليدفع المحصول فيطلب منهم المقادير الخارجة عن المعقول، وذلك خلاف الرشوات الخفية والمصالحات السرية وأضاف التقرير والقسمة لنفسه ولا يلتزم بها أحد من الشهود، كما كان في السابق وإذا دعى بعض الشهود لكتابة توثيق أو مبايعة أو تركة فلا يذهب لا بعد أن يأذن له القاضي أو يصحبه بجوخدار ليباشر القضية وله نصيب أيضاً وزاد طمع هؤلاء الجوخدارية حتى لا يرضون بالقليل، كما كانوا في أول الأمر وتخلف منهم أشخاص بمصر عن مخاديمهم وصاروا عند المتولي لما انفتح لهم هذا الباب وإذا ضبط تركة من التركات وبلغت مقداراً أخرجوا للقاضي العشر من ذلك ومعلوم الكاتب والجوخدار والرسول ثم التجهيز والتكفير والمصرف والديون وما بقي بعد ذلك يقسم بين الورثة فيتفق أن الوارث واليتيم لا يبقى له شيء ويأخذ من أرباب الديون عشر ديونهم أيضاً ويأخذ من محاليل وظائف التقارير معلوم سنتين أو ثلاثة وقد كان يصالح عليها بأدنى شيء وإلا إكراماً وابتدع بعضها الفحص عن وظائف القبانية والموازين وطلب تقاريرهم القديمة ومن أين تلقوها وتعلل عليهم بعدم صلاحية المقرر وفيها من هو باسم النساء وليسوا أهلاً لذلك وجمع من هذا النوع مقداراً عظيماً من المال، ثم محاسبات نظار الأوقاف والعزل والتولية فيهم والمصالحات على ذلك وقرر على نصارى الأقباط والأروام قدراً عظيماً في كل سنة بحجة المحاسبة على الديور والكنائس، ومما هو زائد الشناعة أيضاً أنه إذا ادعى مبطل على إنسان دعوى لا أصل لها بأن قال أدعي عليه بكذا وكذا من المال وغيره كتب المقيد ذلك القول حقاً كان أو باطلاً معقولاً أو غير معقول، ثم يظهر بطلان الدعوى أو صحة بعضها فيطالب الخصم بمحصول القدر الذي ادعاه المدعي وسطره الكاتب يدفعه عليه للقاضي على دور النصف الواحد أو خلاف ما يؤخذ من الخصم الآخر وحصل نظيرها لبعض من هو ملتجئ لكتخدا بك فحبس على المحصول فأرسل الكتخدا يترجى في إطلاقه والمصالحة عن بعضه فأبى فعند ذلك حنق الكتخدا وأرسل من أعوانه من استخرجه من الحبس ومن الزيادات في نغمة الطنبور كتابة الإعلامات وهو أنه إذا حضر عند القاضي دعوى بقاصد من عند الكتخدا أو الباشا ليقضي فيها وقضى فيها لأحد الخصمين طلب المقضي له إعلاماً بذلك إلى الكتخدا أو الباشا يرجع به مع القاصد تقييداً وإثباتاً، فعند ذلك لا يكتب له الإعلام إلا بما عسى لا يرضيه إلا أن يسلخ من جلده طاقاً أو طاقين وقد حكمت عليه الصورة وتابع الباشا أو الكتخدا ملازم له ويستعجله ويساعد كتخدا القاضي عليه ويسليه على ذلك الظفر والنصرة على الخصم مع أن الفرنساوية الذين كانوا لا يتدينون بدين لما قلدوا الشيخ أحمد العريشي القضاء بين المسلمين بالمحكمة حددوا له حداً في أخذ المحاصيل لا يتعداه بأن يأخذ على المائة اثنين فقط له منها جزء والكتاب جزء، فلما زاد الحال وتعدى إلى أهل الدولة رتبوا هذه الجمعية، فلما تكاملوا بمجلس بيت البكري كتبوا عرضاً محضراً ذكروا فيه بعض هذه لإحداثات والتمسوا من ولي الأمر رفعها ويرجون من المراحم أن يجري القاضي ويسلك في الناس طريقاً من إحدى الطرق الثلاث أما الطريقة التي كان عليها القضاة في زمن الأمراء المصريين وأما الطريقة التي كانت في زمن الفرنساوية أو الطريقة التي كانت أيام مجيء الوزير وهي الأقرب والأوفق وقد اخترناها ورضيناها بالنسبة لما هم عليه الآن من الجور وتمموا العرض محضراً وأطلعوا عليه الباشا فأرسله إلى القاضي فامتثل الأمر وسجل بالسجل على مضض منه ولم تسعه المخالفة.

.شهر جمادى الثانية سنة 1231:

في منتصفه ورد الخبر بموت مصطفى بك دالي باشا بناحية الإسكندرية وهو قريب الباشا وأخو زوجته.

.شهر رجب الأصم سنة 1231:

واستهل شهر رجب الأصم بيوم الثلاثاء، في ثالثه يوم الخميس قبل الغروب حصل في الناس انزعاج ولغط ونقل أصحاب الحوانيت بضائعهم منها مثل سوق الغورية ومرجوش وخان الحمزاوي وخان الخليلي وغيرهم ولم يظهر لذلك سبب من الأسباب وأصبح الناس مبهوتين ولغطوا بموت الباشا وحضر آغات الينكجرية وآغات التبديل إلى الغورية وأقاما بطول النهار وهما يأمران الناس بالسكون وفتح الدكاكين وكذلك علي آغا الوالي بباب زويلة وأصبح يوم السبت فركب الباشا وخرج إلى قبة العزب وعمل رماحة وملعباً ورجع إلى شبرا وحضر كتخدا بك إلى سوق الغورية وجلس بالمدفن وأمر بضرب شيخ الغورية فبطحوه على الأرض في وسط السوق وهو مرشوش بالماء وضربه الأتراك بعصيهم، ثم رفعوه إلى داره، ثم أمر الكتخدا بكتاية أصحاب الدكاكين الذين نقلوا متاعهم فشرعوا في ذلك وهرب الكثير منهم وحبسهم في داره، ثم ركب الكتخدا ومر في كريقه على خان الحزاوي وطلب البواب، فلما مثل بين يديه أمر بضربه كذلك وضرب أيضاً شيخ مرجوش وأما طائفة خان الخليلي ونصارى الحزاوي فلم يتعرض لهم.

.شهر شعبان سنة 1231:

واستهل شهر شعبان بيوم الخميس، فيه من الحوادث أن بعض العيارين من السراق تعدوا على قهوة الباشا بشبرا وسرقوا جميع ما بالنصبة من الأواني والبكارج والفناجين والظروف فأحضر الباشا بعض أرباب الدرك بتلك الناحية وألزمه بإحضار السراق والمسروق ولا يبقبل له عذراً في التأخير ولو يصالح على نفسه بخزينة أو أكثر من المال ولا يكون غير ذلك أبداً وإلا نكل به نكالاً عظيماً وهو المأخوذ بذلك فترجى في طلب المهلة فأمهله أياماً وحضر بخمسة أشخاص أحضروا المسروق بتمامه لم ينقص منه شيء وأمر بالسراق فخوزقوهم في نواحي متفرقين بعد أن قرروهم على أمثالهم وعرفوا عن أماكنهم وجمع منهم زيادة على الخمسين وشنق الجميع في نواح متفرقة بالأقاليم مثل القليوبية والغربية والمنوفية.
وفي منتصفه يوم الجمعة الموافق لرابع مسرى القبطي أوفى النيل أذرعه وفتح سد الخليج يوم السبت.
وفيه وقع من النوادر أن امرأة ولدت مولوداً برأسين وأربعة أيد وله وجهان متقابلان والوجهان بكتفيهما مفروقان من حد الرأس وقيل لحد الصدر والبطن واحدة وثلاثة أرجل وإحدى الأرجل لها عشرة أصابع فيقال أنه قام يوماً وليلة حياً ومات وشاهده خلق كثير وطلعوا به إلى القلعة ورآه كتخدا بك وكل من كان حاضراً بديوانه فسبحان الخلاق العظيم.

.شهر رمضان سنة 1231:

واستهل شهر رمضان بيوم الجمعة، حصل فيه من النوادر أن في تاسع عشره علق شخص عسكري غلاماً من أولاد البلد وصار يتبعه في الطرقات إلى أن صادفه ليلة بالقرب من جامع ألماس بالشارع فقبض عليه وأراد الفعل به في الطريق فخدعه الغلام وقال له إن كان ولا بد فادخل بنا في مكان لا يرانا فيه أحد من الناس فدخل معه درب حلب المعروف الآن بدرب الحمام خير بك حديد وهناك دور الأمراء التي صارت خرائب فحل العسكري سراويله فقال له الغلام أرني بتاعك فلعله يكون عظيماً لا أتحمله جميعه وقبض عليه وكان بيده موسى مخفية في يده الأخرى فقطع ذكره بتلك الموسى سريعاً وسقط العسكري مغشياً عليه وتركه الغلام وذهب في طريقه وحضر رفقاء ذلك العسكري وحملوه وأحضروا له سليماً الجرائحي فقطع ما بقي من مذاكيره وأخذ في معالجته ومداواته ولم يمت العسكري.

.شهر شوال سنة 1231:

واستهل شهر شوال بيوم السبت، وكان حقه يوم الأحد وذلك أن أواخر رمضان حضر جماعة من دمنهور البحيرة وأخبروا عن أهل دمنهور أنهم صاموا يوم الخميس فطلب الباشا حضور من رأى الهلال تلك الليلة فحضر اثنان من العسكر وشهدا برؤيته ليلة الخميس فأثبتوا بذلك هلال رمضان ويكوت تمامه يوم الجمعة وأخبر جماعة أيضاً أنهم رأوا هلال شوال ليلة السبت وكان قوسه في حساب قواعد الأهلة تلك الليلة قليلاً جداً ولم ير في ثاني ليلة منه إلا بعسر وإنما اشتبه على الرائين لأن المريخ كان مقارناً للزهرة في برج الشمس من خلفها وبينهما وبين الشمس رؤيا بعدها في شعاع الشمس شبه الهلال فظن الراؤن أنه الهلال فلينتبه لذلك فإن ذلك من الدقائق التي تخفى على أهل الفطانة فضلاً عن غيرهم من العوام الذين يسارعون إلى إفساد العبادات حسبة بالظنون الكاذبة لأجل أن يقال شهد فلان ونحو ذلك.
وفي أواخره قلد الباشا شخصاً من أقاربه يسمى شريف آغا على دواوين المبتدعات وضم إليه جماعة من الكتبة أيضاً المسلمين والأقباط وجعلوا ديوانهم ببيت أبي الشوارب وهمروه عمارة عظيمة وواظبوا الجلوس فيه كل يوم التحرير المبتدعات ودفاتر المكوس.